التخطي إلى المحتوى الرئيسي

المشاركات

عرض المشاركات من مارس, 2019

المضاد للهشاشة

تستفيد بعض الأشياء من الصدمات، فهي تزدهر وتنمو عند التعرّض للتقلبات والاضطرابات والضغوط، تنمو في أجواء المغامرة والمخاطرة واللايقين، ورغم شيوع هذه الظاهرة في كلّ مكان، إلا أنّه ما من كلمة تصف نقيض كلمة هَش، لذا دعونا نطلق عليها "مضاد الهشاشة". يتجاوز مفهوم تضاد الهشاشة مفاهيم المرونة أو القوة، فالمرونة تتضمن مقاومة للصدمات وحفاظاً على الحال، أما تضاد الهشاشة فهي تعني حالاً أفضل؛ تقف هذه الخاصية خلف كلّ ما يتغيّر مع الزمن من: تطور وثقافة وأفكار وثورات وأنظمة سياسية وابتكارات تكنولوجية ونجاحات اقتصادية وسياسية وحتى استمرارية الشركات ووصفات الطعام الجيدة (مثل حساء الدجاج أو شريحة اللحم مع كونياك) كما صعود مدن وثقافات وأنظمة شرعية وغابات استوائية ومقاومة بكتيرية... حتى وجودنا كنوع على سطح هذه الكوكب، كما يحدد تضاد الهشاشة الحدّ الفاصل ما بين هو حيّ وعضوي (أو معقّد) مثل الجسم البشري، وما هو خامل مثل الأداة الجامدة كالدبّاسة على مكتبك على سبيل المثال. يُحبّ مضاد الهشاشة العشوائية واللايقين، وهو ما يعني أنّه واقع في هوى حبّ الأخطاء، أو فئة منها على الأقل، ولدى تضاد اله...

أين يكون الحب

الحبّ أمرٌ جديدٌ، منعشٌ، حيٌّ، لا يعرف ماضٍ ولا مستقبلَ، إنّه أبعد من اضطرابات الفكر، وحده العقل البريء هو من يعرف ماهية الحبّ، ويمكن للعقل البريء العيش في عالمٍ غير بريءٍ. وللعثور على هذا الأمر الاستثنائي الذي سعى الإنسان إليه بشكلٍ لا نهائيٍ من خلال التضحية والعبادة وعبر العلاقة والجنس، وكلّ شكلٍ من أشكال المتعة والألم، لا بديل عن فهم الفكر لذاته، ليصل إلى نهايته بشكلٍ طبيعيٍ؛ وعندها لن يكون للحبّ نقيضٌ، ولن يكون هناك صراعٌ فيه، وقد تسأل: "هل لي معرفة مثل هذا الحبّ، ماذا سيحصل لزوجتي وأطفالي وعائلتي؟ يجب أن يحظوا بالأمان." وعندما تطرح تساؤلاً كهذا، فأنتَ ما زلت ضمن مجال الفكر، وما أن تكون خارج هذا المجال لن تطرح مثل هذا التساؤل أبداً، لأنّك ستعرف ماهية الحبّ حيث لا فكر، وبناءً عليه لا زمن. قد تقرأ هذا بافتتانٍ وانجذابٍ، على أنّ تجاوز الفكر والزمن –وهو ما يعني تجاوز الألم- يعني إدراك المرء أنّ هناك بُعداً مختلفاً يدعى الحبّ، لكنه لا يعرف كيفية الوصول إلى هذا الينبوع الرائع، وماذا يفعل عندها؟ عندما لا يعرف المرء ماذا سيفعل، لا يفعل شيئاً مطلقاً، ومن ثم يصبح ساكناً ...

وحده الذي يحبُّ قادرٌ على المقاومة

ذات يوم دُعيت إيليني ساميوس لحضور تجمع للمثقفين في ديكساميني، للذهاب في رحلة في أحضان الطبيعة، وكان ضمن خطة الرحلة استقبال الكاتب اليوناني نيكوس كازنتزاكيس العائد من ألمانيا في محطة القطار، لم تُلقِ إيليني بالاً لهذه الدعوة، خاصة وأنّها جاءت من طرف زوجة نيكوس السابقة غالاتي، إلا أنّ صديقاتها بدأْن بالإلحاح عليها لتشاركهن الرحلة، وكانت عازفة البيانو الشهيرة ماريكا بابايوانو هي أكثر من شجّع إيليني على الذهاب، وتحت هذا الإلحاح قبلت إيليني الدعوة. وفي يوم 18 مايو/أيار من عام 1924، عندما وصلوا المحطة، وقف الجميع متطلعاً إلى نيكوس ذا القامة الطويلة والحاجبين الكثَّين بقبعته العريضة من القش، ومن بين جميع الحاضرات، لفتت إيليني نظر نيكوس الذي سارع إلى مشاركتها مقعدها في القطار، سائلاً إياها على الفور: "من هو كاتبك المفضّل؟". كان حبّاً من النظرة الأولى لكليهما، رغم أنّها كانت في الحادي والعشرين فيما هو في الحادي والأربعين؛ وفي ذلك اليوم وعلى شاطئ البحر، مشيا سويةً تحت أشعة الشمس الحارقة، فاحتجت إيليني قائلةً: "ستلهبُ الشمس رؤوسنا". ابتسم وردّ بابتسامة كريتية: ...