ذات يوم دُعيت إيليني
ساميوس لحضور تجمع للمثقفين في ديكساميني، للذهاب في رحلة في أحضان الطبيعة، وكان ضمن
خطة الرحلة استقبال الكاتب اليوناني نيكوس كازنتزاكيس العائد من ألمانيا في محطة القطار،
لم تُلقِ إيليني بالاً لهذه الدعوة، خاصة وأنّها جاءت من طرف زوجة نيكوس السابقة غالاتي،
إلا أنّ صديقاتها بدأْن بالإلحاح عليها لتشاركهن الرحلة، وكانت عازفة البيانو الشهيرة
ماريكا بابايوانو هي أكثر من شجّع إيليني على الذهاب، وتحت هذا الإلحاح قبلت إيليني
الدعوة.
وفي يوم 18 مايو/أيار
من عام 1924، عندما وصلوا المحطة، وقف الجميع متطلعاً إلى نيكوس ذا القامة الطويلة
والحاجبين الكثَّين بقبعته العريضة من القش، ومن بين جميع الحاضرات، لفتت إيليني نظر
نيكوس الذي سارع إلى مشاركتها مقعدها في القطار، سائلاً إياها على الفور: "من
هو كاتبك المفضّل؟".
كان حبّاً من النظرة الأولى
لكليهما، رغم أنّها كانت في الحادي والعشرين فيما هو في الحادي والأربعين؛ وفي ذلك
اليوم وعلى شاطئ البحر، مشيا سويةً تحت أشعة الشمس الحارقة، فاحتجت إيليني قائلةً:
"ستلهبُ الشمس رؤوسنا".
ابتسم وردّ بابتسامة كريتية:
"أنا إفريقي! أحبُّ الشمس".
لكنه حمى إيليني منها
بقامته الطويلة وتابع استقباله أشعتها، كما لو أنّه يريد أن ينفث حرارتها من جديد في
أبيات شعرية وروايات ليتابع مسيرةً تُغني أجداده الإغريق بالشمس.
وبعدها صارا يلتقيان يومياً،
يقبّل يدها، يجلسان على الصخور الحارقة، قبالة البحر الذي احتضن أوّل لقاء، سطعا سويةً
تحت شمس اليونان، لتنعكس على روحَيهما زرقة البحر الخالدة؛ أتاها حاملاً إليها بعض
الكتب أحياناً، وبعض الطعام أحياناً أخرى، وكأنّ الكتب صنف من أصناف الطعام، بل الصنف
الأشهى منها.
رافقها في النزهات المسائية،
تكلم معها كثيراً وصمت طويلاً، وكم مرّة ذكر في رسائله لها فيما بعد مدى استمتاعه برفقتها،
وهو الذي اعتاد العيش كلّ لحظة بكثافة فائقة.
لقّبها بـ "لينوتشكا"
بسبب عشقه لروسيا البلشفية آنذاك، وفي سفراته الكثيرة لم يتوقف عن الكتابة إليها، وخاطبها
ذات مرّة من كريت مسقط رأسه داعياً إياها لتأتي بسرعة، فقد نضج التين والعنب والإجاص
هناك، ولم تنحصر الدعوة إلى الفاكهة الكريتية اللذيذة إنما إلى هوميروس وبوذا أيضاً،
كلهم ناضجون، طيبون ينتظرون قدوم رفيقته الحبيبة لينوتشكا.
وعندما
خطف الموت شقيقها الأصغر، كتب لها نيكوس معزياً وهو الذي تعرّف على شقيقها في برلين،
شادّاً على يدها ومحرّضاً لها لمقاومة المصاب الجلل بقوله: "وحده الذي يحبُّ قادرٌ
على المقاومة".
من كتاب الحياة السرية: محطات غرامية في حياة المشاهير من إعداد وترجمة فرح عمران