بقلم: كنان القرحالي
ولد جِدّو كريشنامورتي في الهند عام 1895 في بلدة مَدَنَبلِّي الصغيرة جنوب الهند من أبوين براهمنيين، توفيت والدته وهو ما يزال في العاشرة، وأحيل والده إلى التقاعد ليعيش كريشنامورتي وسط الفقر والفاقة، فنشأ خجولاً انطوائياً، على أنّ والده لحظَ لديه قدرةً غريبةً على الانتباه، إذ لفته تأمل كريشنامورتي الطويل في تشكّل غيوم السماء، محدّقاً في النباتات، أو متربعاً يرصد سلوك النمل.
وبعد وفاة الأم انتقلت الأسرة إلى ناحية أدِيار
القريبة من مدينة تشيناي، وهناك لفتَ كريشنامورتي وشقيقه نيتيانندا أنظار القائمين
على الجمعية الثيوصوفية، وهي منظمة فلسفية روحية تدعو إلى الأخوة الإنسانية
الشاملة، إذ لمسوا المواهب والقدرات الروحية الكامنة في الشقيقين، فأخذوا
بتدريبهما لكي يكونا معلمَين روحيين، وفي العام 1911 قامت رئيسة الجمعية بتأسيس
أخوية "النجمة في الشرق" ونصّبوا كريشنامورتي زعيماً روحياً لها وجعلوا
نيتيانندا تلميذه الأوّل.
انتقل كريشنامورتي وشقيقه إلى أوروبا بعد إتمامه
سنّ السادسة عشر، حيث أقاما في ضواحي باريس، ثم إنكلترا، وفي العام 1922 سافر
كريشنامورتي إلى كاليفورنيا آملاً أن يناسب مناخها صحة شقيقه المتدهورة، على أنّه
فُجِع بوفاته هناك لتكون تلك نقطة تحوّلٍ مفصليةٍ في حياته، وقد كتب في تلك
الفاجعة:
"مات حلمٌ قديمٌ، وبزغ حلمٌ جديدٌ... لقد
بكيتُ ولا أريد للآخرين أن يبكوا، فإن بكوا فأنا على معرفةٍ بمعنى ذلك. أعرف الآن
أنّنا لن نفترق أبداً، سنعمل معاً، إذ صرتُ وشقيقي شخصاً واحداً."
وفي الفترة التالية ألقى كريشنامورتي عنه التعاليم
الروحية التي لقّنه إياها الثيوصوفيون، فانفصل عن الجمعية الثيوصوفية وحلّ أخوية
"النجمة" رغم وصول بلوغ عدد أعضائها الخمسين ألفاً، ليعيش الحاضر بلحظته
الراهنة، ولتقوده الأيام الصعبة إلى اليقظة الداخلية وإعلان رغبته الدفينة:
"أرغب بتحرير الإنسان، ليحلّق كالطير في
السماء الصافية، فرِحاً بلا وزرٍ، مستقلاً ومنتشياً بتلك الحرية."
نشبت الحرب العالمية الثانية، فأرغمته الظروف على
البقاء في كاليفورنيا، وعاش هناك بمفرده كمزارع يأكل مما يجني، وتابع إنصاته ورصده
وتأمله للعالم بصمتٍ؛ ليبدأ بعد ذلك بسنواتٍ عديدةٍ بعقد العديد من اللقاءات في
أنحاء العالم المتفرقة، وشارك في تلك الندوات والحوارات جميع شرائح المجتمع من
العمال وصولاً إلى العلماء والفلاسفة، وواصل تلك اللقاءات حتى وفاته في كاليفورنيا
عام 1986، وقد نُشِرت آراؤه وحواراته ومقالاته ورسائله في أكثر من ستين كتاباً وتم
توثيقها في مئات التسجيلات.
للتعرّف على أفكار كريشنامورتي يمكنكم مطالعة كتاب الحياة ليست سينما، وكتاب لا تصدق الكذبة. الكتابان من اختيار وترجمة كنان القرحالي