بقلم: نسيم طالب
ت: كنان القرحالي
كرتون لنسيم طالب |
تقوم فكرتنا على تجنّب التدخل في الأشياء التي لا
نفهمها، لكن هناك بعض الناس يقومون بالعكس؛ ينتمي الفراجيليستا إلى تلك الفئة من
الناس الذين يرتدون بدلة وربطة عنق في العادة، غالباً أيام الجمعة، وهو يواجه
نكاتك بجدية جليدية، وتغزوه مشاكل الظَهر مبكّراً في الحياة بسبب كثرة الجلوس على
المكتب أو ركوب الطائرات ومطالعة الصحف، وهو منخرط على الأغلب في طقوس غريبة
يسمونها "اجتماعات" وبالإضافة إلى هذه الصفات، فهو يهمل التفكير فيما لا
يراه، أو يعتبر أنّ ما لا يراه غير موجود في الأساس، وهو يميل للتعامل مع المجهول
كأمر لا وجود له.
يقع الفراجيليستا ضحية الوهم الهارفارد سوفيتي والمبالغة
(غير العلمية) للوصول إلى المعرفة العلمية، وبسبب هذا الوهم يمكن تسميته بالعقلاني
الساذج أو الممنطق للأمور أو أحياناً عقلاني فحسب، بمعنى أنّه يعتقد بإمكانية
الوصول إلى الأسباب الكامنة خلف الأشياء بشكل تلقائي، لكن دعونا لا نخلط التمنطق
بالعقلانية، فهما على طرفي نقيض تقريباً.
بالنسبة للأمور خارج حدود الفيزياء أو في المجالات المعقّدة،
تنحو الأسباب الكامنة خلف الأشياء لأن تكون أقل وضوحاً بالنسبة لنا، وأقل بالنسبة
للفراجيليستا، على أنّ هذه الخاصية المبهمة للمكونات الطبيعة بعدم الدعاية لنفسها
في دليل مستخدم ليست بعقبة، إذ سيجتمع أكثر من فراجيليستا مع بعضهم ليضعوا دليل
مستخدم بأنفسهم، وذلك بفضل تعريفهم لكلمة "علم".
وهكذا وبفضل الفراجيليستا، تعامت الثقافة الحديثة
بازدياد عمّا هو غامض ولا يمكن النفاذ إليه، ما أسماه نيتشه ديونيسوس (Dionysian) في الحياة، أو لترجمة وصف نيتشه بشكل أقل شاعرية لكن ليس بأقل
بصيرة من عامية بروكلين، وهو ما يدعوه طوني السمين (Fat Tony) باسم "لعبة المغفل" (sucker game).
وباختصار، فإنّ الفراجيليستا (سواء أكان من ناحية التخطيط
الاجتماعي أو الطبي أو الاقتصادي) هو من يدفعك للانخراط في السياسات والأفعال لكن
بشكل زائف، إذ تكون الفوائد صغيرة ومرئية أما الآثار الجانبية المحتملة فشديدة
وغير مرئية.
وفي هذا السياق هناك فراجيليستا طبي من يبالغ في إنكار قدرة
الجسم الطبيعة على الشفاء، فيوصف لك الأدوية ذات الآثار الجانبية، ومن المحتمل أن
تكون تلك الآثار خطيرة جداً، وفراجيليستا السياسة (المُخطِط الاجتماعي التدخُّلي)،
والذي يحسَب الاقتصاد غسالة بحاجة للإصلاح الدائم (من قبله) فيضخّم المشاكل،
وفراجيليستا نفساني يعالج الأطفال "لتنمية" حياتهم العاطفية والفكرية،
وفراجيليستا الأم الحريصة جداً، وفراجيليستا مالي من يدفع الناس لاستخدام
"المخاطر" التي تدمّر النظام المصرفي (ليستخدم تلك النماذج مجدداً
لإنقاذها)، وفراجيليستا عسكري من يزعج الأنظمة المعقّدة، وفراجيليستا عرّاف الذي
يُشجعك على المزيد من المجازفة، وآخرين كثر.
وبالفعل، يفتقر الخطاب السياسي إلى مفهوم واضح، فهم يشيرون
في خطبهم وأهدافهم ووعدوهم إلى مفاهيم خجولة لـ "المرونة"
و"الصلابة" لا إلى مفهوم تضاد الهشاشة، وهم بالتالي يعيقون آليات النمو
والتطور؛ لا ندري أين وصلنا اليوم بسبب المفهوم الجبان للمرونة، وأسوأ ما في الأمر
أنّنا لم نصل إلى وصلنا إليه بفضل صانعي السياسة، بل وصلنا إلى موقعنا الحالي بفضل
الشهية للمخاطر والأخطاء من قبل فئة معيّنة من الناس، وهم من علينا تشجيعهم
وحمايتهم واحترامهم.