يميل الناس إلى إسقاط المعلومات التي تتعارض ومعتقداتهم، وهم يأخذون بالأفكار والمعلومات التي تتوافق والنظريات والأفكار التي يعرفونها عن العالم، وهذا ما نراه جليًا في عالم الأعمال حيث يأخذ المسؤولون التنفيذيون باستراتيجيات تتوافق مع معارفهم ويحتفون بها ويتغاضون عن المؤشرات العكسية ويتعاملون معها على أنها استثناءات مرحلية أو حالات خاصة لا ينبغي تعميمها، ويصل الأمر بهم في كثير من الحالات إلى رفض الأخذ بأفكار مثبتة ومجرّبة لمجرّد أنها تتعارض مع طموحهم أو رؤيتهم.
يأخذ الناس بالقواعد التي يعرفونها ويتشبثون بها لدرجة أنهم لا يمنحون فرصة كبيرة للتعرف على غيرها أو لا يفتحون أنفسهم على قواعد جديدة وهم بذلك يقعون في فخ الانحياز التأكيدي، ولذلك ترى الكثيرين يصدقون ما يقوله المنجمون أو المحللين الاقتصاديين ولا يفكرون كثيرًا بالاحتمالات المعاكسة بذريعة أن هذا ما جاء به أصحاب الخبرة.
أيضًا نجد هذا في الصحافة، فالصحفيون ينشرون ما يتوافق واتجاههم (الفكري أو السياسي أو الاقتصادي) ويتجاهلون المنحى الآخر في التفكير عن عمد، وهذا ما يفعله المؤلفون الذين يأتون بعشرات الأمثلة عن صحة وجهة نظرهم ويغفلون الأمثلة المعاكسة.
وبصورة عامة إذا كنتَ متفائلًا سترى كل شيء من منظورك الإيجابي للأمور وإذا كنت متشائمًا ستجد العديد من الأسباب والحجج التي تُثبت الوجه السلبي للأمور. يركّز الناس على الآراء التي تلائم نظرتهم للعالم.
احمِ نفسك من هذا الانحياز من خلال محاكاة طريقة تفكير تشارلز داروين الذي بحث في كل فكرة تتعارض ونتائجه السابقة.
تلعب الوسائل العصرية دورًا إضافيًا في الانحياز التأكيدي لأنها تدفع المرء للعيش في صومعة، فهو يتصفح مواقع الإنترنت السياسية التي توافق رأيه السياسي وتُثبت له وجهة نظره، وينعكس هذا حتى على طريقة البحث على محركات البحث من خلال فلترة البيانات.
يمكن محاربة الانحياز التأكيدي من خلال فسح المجال لوجهات النظر المعارضة لنظرتنا للأمور وسماع الأصوات المعارضة وتوسيع مجال إدراكنا من خلال الدخول في المنطقة الفكرية للآخر، وإلا سنبقى تحت تأثير هذا الانحياز لاسيما أن "تأثير الاجماع الكاذب" سيدفعنا إلى التشبث بوجهة نظرنا أكثر، فإذا كان المرء يؤمن بالاحترار العالمي سيتوقع أن يتفق معظم الناس معه وإذا كان ينكر وجوده سيعتقد أنه يحمل الرأي السائد، والأسوأ من هذا أن الناس من هذا النوع يفترضون أن من يختلف معهم بالرأي هم أغبياء أو أنهم قليلو الاطلاع والإدراك.
من كتاب خلاصات المكتبة
فن التفكير بوضوح - رولف دوبلي