التخطي إلى المحتوى الرئيسي

دليل الخجول: كيف نقول لا

المصدر مدونة This Somebody

ترجمة م. كنان القرحالي

 

لا يمكنني أن أتذكر عدد المرات التي وافقت فيها على الأمور التي أردت أن أرد فيها بـ "لا". اعتدت أن أكون خجولة بصورة لا تصدق، وكان رفض طلبات الآخرين أمراً صعباً للغاية. كنت في خشية من الأحكام التي سيطلقونها والعواقب السلبية ومشاعر الخيبة التي قد تنشأ عن رفضي.

 

كانوا يدعونني إلى احتفال أو مناسبة ما، وفي كثير من الأحيان أريد أن أقول لا لكن أجد نفسي أقول "ربما" في معظم الحالات، أو أقبل على مضض، وأنا أفكر في أن عليّ اختلاق عذر آخر لحظة للتهرب من الحفل. 

 

هذا ما كان يحدث معي في العمل أيضاً، فقد كانوا يطلبون مني عملاً إضافياً فيما جدولي يكاد يفيض بالمشاغل، وكنت أقول نعم وأضغط نفسي للانتهاء من الواجب الذي ورطت نفسي فيه. ثمة طريقة يلجأ إليها الناس الذي يعانون من الخجل مثلي. تجدهم يتجنبون شخصاً ما قد وافقوا على طلبه، فلا يردون على مكالماته ويحاولون تفاديه، أو قد يحاولون التنصل من لقاء هؤلاء الذين لديهم طلبات مستمرة كيلا يقعوا في فخ الـ "نعم" لطلباتهم التي لا تنتهي.

 

إذا كان هذا مألوفاً لك، فأهلاً وسهلاً بك أنت في المكان الصحيح لتغيير هذه العادة المدمرة. سمعت الكثير من النصائح التي تقول لنا أن "نعم" تجلب لنا فرصاً ليست بالحسبان، ومبدأ هؤلاء أن موافقة المرء على طلبات الآخرين تدفع به للخروج من منطقة راحته، وهذا يفتح آفاقاً جديدة له.

 

لكن أليس بالإمكان أن نفتح آفاقاً جديدة لنا وأن نتعدى منطقة راحتنا من خلال السعي خلف أهدافنا، أو وضع أهداف جديدة لم نكن لنتخيل أننا سنسعى خلفها؟ وهكذا يمكن أن تكون هذه النصائح مفيدة عندما يتعلق الأمر بالطلبات التي تتماشى مع أهدافنا وقيمنا ووقتنا، وسيكون وضع حدود صحية لطلبات الآخرين أمراً يصب في صالحنا.

 

السؤال المطروح هنا، والذي يشغل بال أي خجول، ماذا لو خاب ظن الآخرين بي؟ حسناً، أتحدث من تجربتي، ودعني أقول لك أن قول "لا" لا يجعلك أنانياً، بل على العكس، إنها مهارة أساسية عليك التحلي بها لقولها بثقة عند الحاجة، البنود التالية بمثابة دليل صغير لكيفية قول "لا" للخجولين:

 

أهمية الرفض

ما هي ضرورة قول "لا"؟ بالتأكيد هناك الكثير من الأسباب التي تدفعنا لقولها وأهمها:

 

- وضع حدود في العلاقات

ثمة مشكلة في قول نعم على الدوام، وهي رفع سقف توقعات الآخرين منّا، فعندما تقول لا لأحدهم سيعرف أن لديك حدوداً أو مشاغل، أما عندما يعتاد الآخرون على "نعم" دائمة منك، فهذا سيصيبهم بالصدمة إن قلت لهم "لا" ذات مرّة، وسيجعلونك تشعر كما لو أنك ارتكبت أعظم الذنوب على وجه الأرض. علينا ألا نغفل أن هناك أشخاصاً بارعون في إثارة إحساسنا بالذنب وغايتهم هي أن ننفذ طلباتهم رغم معرفتهم بعدم رغبتنا فيها.

 

أعتقد أنك تعرف هذا النوع من الناس: أولئك الذين يرمقونك بنظرة احتقار عندما لا تسير الأمور في صالحهم. لكن أليس هذا كافياً لدفعنا للتفكير بما يحصل؟ فهذا تلاعب واضح واستغلال لخجلنا ونقاط ضعفنا، وكلما قلت لهؤلاء نعم فرضوا سلطتهم أكثر عليك، وكلما قلت لا لطلباتهم سترى حقيقتهم يوماً بعد يوم.

 

وماذا عن الأشخاص الذين يكترثون لأمرنا بصدق، أو هؤلاء الذين قد ساعدونا كثيراً، والذين نخجل من رفض طلب لهم بسبب اهتمامهم وخدماتهم السابقة لنا؟ علينا أن نعي أن الأشخاص الذين يحترموننا ويقدّروننا ويهتمون حقاً بنا سيحترمون قراراتنا، ولن يحاولوا استغلالنا، وإذا وجدوا أن جدولنا أو مزاجنا لا يسمح لتنفيذ ما طلبوه، فإنهم لن يستشيطوا غضباً، ولن يلقوا باللوم علينا أو يذكروننا بخدماتهم. 

 

علينا أن نعلم أن الشخص الذي يواجه صعوبة جمة في قبول إجابتنا بـ "لا" على طلبه، إنما هو شخص يفتقر إلى النضج ورغبته العمياء في تنفيذنا لطلبه إنما هو دليل حيّ على أنانية مفرطة، وهو لا يحترمنا حقاً ولا يقدّر وقتنا أو راحتنا أو مشاغلنا.

 

- تحسين الثقة

لا يعني قول "لا" أنك مغرم بنفسك، لكن هذا ضروري إذا كنت تريد أن تعيش وفقاً لأهدافك وقيمك. إن الموافقة الدائمة لما يطلبه الآخرون تجرنا في درب من المرارة وربما تتطور إلى نقمة، فيما فعل ما نريده ورفض ما يتنافى مع وقتنا وراحتنا يعزز من ثقتنا في اتخاذ القرار الملائم لنا. وهذه الثقة ستؤدي بدورها إلى تقليل الشعور بالذنب وتخفيف التردد الذي يعاني منه الخجولون.

 

- يمنحنا قول "لا" الوقت للتركيز على الأمور المهمة

يدفعنا الخجل إلى الموافقة على طلبات نعرف مسبقاً أننا لن نستمتع بها أو لن نحصل على أي قيمة تذكر منها، ويمكننا ألا نندفع بقول نعم إنما أن نسأل أنفسنا عندما نواجه موقفاً مشابهاً: "هل يتماشى هذا مع قيمي أو هل في هذا فائدة وتطور لي؟"

 

مثلاً: إن كنتِ سيدة تتبعين نظاماً غذائياً ما، ودعاك أحدهم إلى مطعم ما حيث يقدمون الطعام المشبع بالدهون، ورغم جهودك في مراقبة وزنك وابتاع حمية صارمة، إلا أنك تجدين نفسك تقولين نعم. من الأفضل التريث والتساؤل: هل هذا يناسبني؟ والإجابة واضحة فتناول طعام غير صحي متعارض تماماً مع هدفك من ناحية الرشاقة والصحة، ولذلك من الجيد قول الصدق في هذه الحالة بلا تردد.

 

عليك ألا تتردد في شأن أولوياتك في الحياة، ومن غير الملائم أن تفكر في مصلحة الآخرين وتتجاهل مصلحتك.

 

- هل سأبدو لئيماً في نظر الآخرين؟

هذه الفكرة ترعب الخجولين، فهم يخشون ردّ فعل الآخر، ويفكرون به أكثر من تفكيرهم بنفسهم، فيتساءلون: "هل سيعر بالإهانة؟" أو "هل أذيت مشاعره يا ترى؟" أو "هل سيؤثر هذا على علاقتي به؟" أو "ماذا لو كرهني جراء هذا الموقف؟" إنه خوف داخلي من نظرة الآخرين إلينا، فهل سنبدو لئيمين إن قلنا "لا"؟

 

إن اللؤم أمر مختلف، فهذه المفردة تعني ما تعنيه من دناءة النفس وشحها، وهؤلاء الأشخاص غير محترمون، ونواياهم سيئة تجاه الآخرين. لا يمكن أن يحوّلك قول "لا" إلى لئيم في نظر الآخرين، لأن نواياك سليمة تجاههم، وكل ما فيه الأمر هو أن لديك ما يشغلك عن تنفيذ طلبهم، وأن عليك أن تسحب نفسك من دوامة طلبات الآخرين من أجلك ومن أجل أسرتك.

 

إن قول "لا" لوحدها قاسٍ، لكنك يمكن قولها بكل تهذيب من خلال التعبير عن عدم راحتك أو عدم اهتمامك. قول الصدق هو الأفضل. إذا كنت ترى أنها مهمة جيدة لكنك غير كفؤ لها قل ذلك، وإذا أمكنك تأجيلها اطلب تأجيلها، وإذا كنت ترى أنه على الشخص الذي يطلب منك أن يفعل ما يطلبه بنفسه فقل ذلك بكل تهذيب وهدوء، وإذا أمكنك اقتراح بديل أو حل ما فلا تتردد.

 

- الأمر بسيط كما ترى، ولا ضرورة للاعتذار دائماً

اجعل اعتذارك نوعاً من التهذيب وليس أكثر من ذلك، وفي حال عدم الحاجة لا ضرورة للاعتذار، فأنت إنسان ولديك احتياجات ومشاغل، ولكي تصقل شخصيتك مع مرور الأيام تحلَ بالحزم والتهذيب، وهذا المزيج رائع وهو ليس بقاسٍ على الإطلاق.

 

وإذا كنت قد وافقت على أمر ما وقررت تغيير رأيك فأخبر الآخر بذلك على الفور، ولا تفعل مثل البعض بالتهرب وتجنب الشخص فأنت لن تتجنبه إلى الأبد، ولا تغيّر رأيك في اللحظة الأخيرة بحيث لا تترك له مجال. عليك أن تكون صادقاً مع نفسك أولاً ومع الآخرين ثانياً، وعندها لن تشعر بالذنب ولن تبرر قراراتك ولن تبدو ضعيفاً أو متردداً.

 

إنّ وضع الحدود أمر صعب بكل تأكيد، لكن لا مفر منه لحياة تملؤها راحة البال، وعلينا كخجولين أن نركّز على أنفسنا، ونعمل على فهم ذاتنا من خلال وضعها أولاً. تغيير العادات هو مفتاح أي تطوّر شخصي، وما لم نغيّر عاداتنا ومنها عادة القبول، فلن نصلح ذاتنا، وإذا ما مارسنا هذا التغيير رويداً فرويداً سنجد أن قول "لا" سيكون أسهل في المستقبل.

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

اعمل بستانياً إذا كنت تحبّ الزهور

يحارب كلّ إنسان في العالم أحداً ما، وتجد إنساناً أقل شأناً من الآخر، ولا وجود للحبّ والاحترام والفكر، فكلّ فرد يريد أن يصبح ذا شأن؛ يريد عضو البرلمان أن يصبح رئيسه والوزير أن يصبح رئيس وزراء وهكذا دواليك. هناك قتال مستمر ومجتمعنا مبني على الكفاح المستمر للإنسان ضد أخيه الإنسان، ويدعون هذا الكفاح طموحاً. يقولون لك: يجب أن تكون طموحاً وذا شأن، أو عليك أن تتزوجي رجلاً غنياً، أو يجب أن تراعي اختيار أصدقائك. أي أنّ الجيل الأكبر سنّاً يحاولون أن يجعلوك مثلهم رغم ما يعتريهم من هلع وما تعج به قلوبهم من قبح، والمفارقة أنّك تريد أن تصبح مثلهم لأنّك مفتون بالمظاهر من حولك، فأنت تشاهد بانفعال كيف ينحني الجميع عندما يدخل الحاكم مجلساً ما. لذا من المهم جداً إيجاد المهنة المناسبة، وأقصد بالمهنة أمر تحبّ فعله، ويجب أن يكون هذا أمراً طبيعياً، فبعد كلّ شيء هذه هي الوظيفة الحقيقة للمدرسة، أي مساعدتك على تكوين شخصيتك بصورة مستقلة بحيث لا تكون طموحاً وتعرف كيفية إيجاد المهنة الأنسب لك، لكنها تشجع الطموحين والإنسان الطموح لن يجد مهنته الصحيحة أبداً. إنّ العمل في مهنة تناسب شخصيتك بصورة مثالية ل...

ملخص كتاب الحرية المالية

غلاف كتاب الحرية المالية   ملخص كتاب الحرية المالية جرانت سباتير ترجمة م. كنان القرحالي   المال هو الحرية سبعة مستويات للحرية المالية 1. الوضوح: عندما تعرف موقعك ووجهتك. 2. الاكتفاء الذاتي: عندما تكسب من المال ما يكفي لتغطية نفقاتك. 3. ال متنفس: عندما تخرج من دوامة العيش من مرتّب إلى مرتب. 4. الاستقرار: عندما تغطي ستة أشهر من خلال ادخار نفقات المعيشة وسداد الدَين السيئ مثل ديون بطاقة الائتمان. 5. المرونة: عندما تستثمر ما يغطي نفقات المعيشة عامين على الأقل. 6. الاستقلال المالي: عندما يمكنك العيش من الدخل الناجم عن استثماراتك ما دمتَ حيًا، لذا يصبح العمل اختياريًا. 7. ثروة وفيرة: عندما تكون لديك أموال أكثر مما ستحتاج إليه في أي وقت (الشكر للكاتب العظيم والصديق جيه دي روث مؤلف كتاب حقق الثراء بروية الذي كانت مستوياته إلهامًا لهذه المستويات).   الوقت أغلى من المال 1. المال غير محدود، أما الوقت فهو محدود، لذلك لا تهدر الوقت. 2. ينطوي نهج التقاعد التقليدي على ثلاث مشكلات رئيسة:         I.    ...

من كتاب الحياة ليست سينما -1

من كتاب الحياة ليست سينما اختيار وترجمة كنان القرحالي للمفكر العظيم كرينشامورتي إنّ الحياة دون حبٍّ صحراء قاحلة، ودون الحبّ لا معنى للطيور ولا لبسمة النساء والرجال ولا للجسر فوق النهر ولا للبحارة ولا للحيوانات؛ دون حبٍّ ما الحياة إلا مستنقعٌ ضحلٌ؛ ففي النهر العميق نجد الغنى والتنوع حيث يمكن للأسماك العيش، فيما يجف المستنقع الضحل بفعل أشعة الشمس القوية، ليبقى الطين والأوساخ. ------ الحبّ أمرٌ جديدٌ، منعشٌ، حيٌّ، لا يعرف ماضٍ ولا مستقبلَ، إنّه أبعد من اضطرابات الفكر، وحده العقل البريء هو من يعرف ماهية الحبّ. ---- إذا وُجِدَ الحبّ لن يكون هناك تعلّقٌ، وإذا وُجِدَ التعلّق لن يكون هناك حبٌّ، أي أنّ وجود الحبّ يتم بنفي وجود غيره، وهذا ما يعني في حياتنا اليومية: عدم تذكّر أي شيء قالته زوجتي أو حبيبتي أو جاري، لا ذكرى أحملها لأي أذية، لا تعلّق للصورة التي أحملها عنها، فقد كنتُ متعلّقاً بالصورة التي أنشأها فكري عنها، أنّها قد تسبّبُ إيذائي أو إزعاجي أو أنّها قد منحتني الراحة الجنسية وغيرها الكثير من الأمور التي أنشأ فكري صورةً عنها، والتي بدوري تعلّقتُ بها، وبهذا يكون...