التخطي إلى المحتوى الرئيسي

ملخص كتاب فن اللامبالاة

ملخص كتاب فن اللامبالاة

مارك مانسون


الاهتمام

تركز ثقافتنا اليوم تركيزاً حصرياً على التوقعات والآمال الإيجابية إلى حد غير واقعي: كن أكثر سعادة، كن أكثر صحة، كن الأفضل... تركز هذه النصائح بشكل مباشر على ما أنت مفتقد إليه، إلى نقائصك ومواضع فشلك، فمن يحاول تعلم أفضل طرق لكسب المال هو شخص يحس أن المال الذي يجنيه غير كافٍ. ومن يقف أمام المرآة ليؤكد لنفسه أنه شخص جميل هو في الحقيقة شخص يشعر أنه في غاية القبح. فإذا كنت تحلم بشيء ما فأنت تعبّر طيلة الوقت بشكل أو بآخر أنك لا تملك هذا الشيء وأنك مفتقر إليه.

يحاول كل شخص وكل إعلان تلفزيوني إقناعك بأنّ مفتاح الحياة السعيدة هو المزيد من كل شيء (اسع إلى اكتناز المزيد من الأموال واقتناء المزيد من السيارات وحيازة المزيد من الممتلكات ...) والسبب في ذلك بكل بساطة هو أنّ الاهتمام بأشياء أكثر أمر ملائم لمصالح الشركات.

ليس من الخطأ أن تحاول الحصول على المزيد من أي شيء، ولكن الخطأ أن تبالغ في هذا الاهتمام لدرجة تجعلك تتعلق بالأوهام وتكرس حياتك لملاحقة السراب. ليس الاهتمام الزائد هو الحل بل الاهتمام القليل المقتصر على ما هو حقيقي.

يمتلك الانسان دوناً عن الحيوانات القدرة على تقييم أفعاله وأفكاره والتفكير فيها وبالتالي فإنّه قد يصبح أسيرها، فقد تكون قلقاً بشأن شيء ما ويصل بك الأمر إلى أن يصبح هذا القلق هو مصدر الإزعاج وليس الشيء ذاته. إنّ الثقافة الاستهلاكية لعصرنا وسباقنا نحو المزيد وسعينا الى التفوق قد أدى إلى نشوء جيل يعتقد أنّ القلق والخوف والإحساس بالذنب أمور سلبية بالمطلق. تحاول وسائل التواصل الاجتماعي أن تنقل لك الأخبار الجيدة فقط فتقدم لك صورة للحياة مفادها أنّ كل شخص في هذا المجتمع يعيش حياة رائعة ... فقد تزوج عدة أشخاص في الأسبوع الماضي وحصلت فلانة على هدية باهظة الثمن ونجح فلان في الحصول على عمل بأجر عالٍ جداً ... بينما تجلس أنت في منزلك وتضيع وقتك في أمور تافهة. إنّ شعورك بأنّك الشخص الوحيد على ظهر هذا الكوكب الذي يعاني من مشكلة ما يضاعف من مشكلتك فيصبح هذا الشعور مشكلة بحد ذاته. من هنا تأتي أهمية اللامبالاة وعدم الاهتمام لتكون الخطوة الأولى نحو الخلاص، فعلينا أن نقتنع أنّ العالم مكان فيه الكثير من الصعاب والشرور وأنّ هذه الشرور أمر طبيعي بل وإيجابي أيضاً. يؤدي إدراكك لهذه الحقيقة إلى تخلصك من نصف المشكلة.

"الرغبة في مزيد من التجارب الإيجابية هي بحد ذاتها تجربة سلبية كما أنّ قبولنا بتجاربنا السلبية تجربة إيجابية" يطلق على هذا القانون التي أطلقه  آلان وات اسم "القانون التراجعي". فكلما سعيت إلى أن تحس بالرضا بشكل دائم فإنّ شعورك بالرضا سوف يتناقص، ووعيك وإدراكك لحالات فشلك وفهمك لأسبابها هو الذي يقودك لتحقيق النجاح، ووعيك لمنابع الخوف لديك هو الذي يجعلك أكثر أماناً وثقة بالنفس، وإدراكك لنقاط ضعفك وفهمك لها يجعلك أكثر قوة. كما أنّ تجنب المعاناة بحد ذاته يسبب لنا المعاناة وإنكار الفشل فشل حقيقي. فالألم جزء لا يتجزأ من الحياة واستئصاله يدمر هذه الحياة تماماً. فمحاولة استئصال الألم بحد ذاتها اهتمام زائد بهذا الألم.

"لن تكون سعيداً إذا واصلت البحث عن السعادة ولن تعيش حياتك إذا كنت تبحث على الدوام عن معنى الحياة" ألبير كامو... يمكن تلخيص كل ما سبق بعبارة "لا تحاول". قد يقول البعض إنني إذا توقفت عن العمل والسعي وعن جمع النقود وبذل الجهود فلن أحقق شيئاً وهذا صحيح تماماً.

الحياة قصيرة وليس لديك إلا مقدار قليل من الاهتمام الذي يمكن إبداؤه. فإذا اهتممت بكل شيء فإنّك ستضيع كل ما تملك من اهتمام سدى. محاولتك أن تكون سعيداً على الدوام حالة مرضيَّة سوف تأكلك حياً لأنّك سوف تشعر بأنّك مظلوم في كل تعاملاتك مع الناس وسترى في كل تحد فشلاً وفي كل اختلاف خيانة مما سيؤدي إلى شعورك بالحزن. إنّ فقدان المشاعر تجاه الأشياء وعدم التفكير بمعانيها ليس من اللامبالاة في شيء، إنّه اضطراب عقلي وجنون تام. وهنا لا بد من الانتباه إلى بعض الملاحظات:

 

أولاً: عدم الاهتمام الزائد لا يعني عدم الاكتراث مطلقاً بل يعني أن تهتم على النحو الذي يريحك أنت. قل: "إلى الجحيم" ولكن لا تقلها لكل شيء في الحياة بل لكل شيء يزعجك أو لا أهمية له في حياتك، واهتم بالأشياء الهامة فعلاً كالأصدقاء والعائلة.

 

ثانياً: حتى لا تهمك الصعاب، لا بد لك أولاً من الاهتمام بشيء أكثر أهمية منها. المشكلة مع الأشخاص الذين يهتمون بأشياء متعددة أكثر مما يجب هي أنّه ليس لديهم شيء أكثر جدارة وقيمة يكرسون اهتمامهم له. فالسيدة العجوز التي تخوض نزاعاً ضارياً مع شخص نسي مصباح الصالة مضاءً طوال الليل أو نسي إغلاق الصنبور بإحكام بعد أن غسل يديه هي في الغالب سيدة فقدت كل ما له قيمة في هذه الحياة، فهي تعيش وحيدة وبراتب تقاعدي بسيط وليس لديها أصدقاء، وتعاني من وهن جسدي، وأبناؤها لا يزورونها إلا نادراً، وليس لديها عمل مُجدٍ تقوم به، لذلك فهي تصب كل اهتمامها على أشياء تافهة لا قيمة كبيرة لها. إذا لم يكن لدى الشخص مشكلات فإنّ عقله يبحث تلقائياً عن طريقة لاختراعها.

 

ثالثاً: سواء أدركت هذا أم لم تدركه، فإنّك تختار دائماً ما تمنحه اهتمامك. هل رأيت طفلاً يبكي لأنّ لون بالونه ليس مشابهاً للون بالون أخيه. عندما كنا صغاراً كان كل شيء يبدو لنا جديداً وقيماً لذلك كنا نمنحه درجة عالية من الأهمية. ومع تقدمنا في السن واكتمال وعينا أصبحنا نحس أنّ الكثير من الأشياء ليس لها أثر حقيقي على حياتنا فنفقد اهتمامنا بها. ونصبح أكثر انتقائية للأشياء التي نوليها أهمية. ومع تقدمنا في السن وبلوغنا أواسط العمر ينخفض مستوى الطاقة لدينا وتتصلب شخصيتنا ونقبل أنفسنا بما في ذلك تلك الصفات التي لسنا مسرورين بها. وهذا نوع من التحرر الذي نحصل عليه. فنكف عن طلب المستحيلات ونقبل الحياة بحلوها ومرها وهذا أمر حسن. هذا التبسيط يجعلنا سعداء بشكل مستمر.

إنّ مبالغتنا في رفض بعض حالات المرض البسيط يؤدي بنا إلى تناول المزيد والمزيد من الأدوية مما يفاقم مشاكلنا الصحية ويسبب لنا أمراضاً مزمنة. وعلى العكس فإنّ قلة اهتمامنا بهذه المشاكل الصحية البسيطة يؤدي بنا الى الإقبال على الحياة والذهاب إلى العمل وممارسة بعض الرياضة مما يساعدنا على التخلص من هذه المشاكل والتمتع بصحة جيدة. فالراحة الحقيقية تبدأ من إدراك أنّ هناك قدراً من المعاناة لا يمكننا تجنبه.

 

المعاناة

الحياة نفسها نوع من أنواع المعاناة: يعاني الأثرياء من ثرائهم، ويعاني الفقراء من فقرهم، ويعاني من ليس لديهم أسرة بسبب عدم وجود أسرة، ويعاني من لديهم اسرة بسبب أسرهم. يختلف الناس في قدر المعاناة التي يعانونها ولكنهم جميعاً يعانون.

المعاناة مصدر للقوة ومنبع للسعادة: فالقلق وعدم الرضا جزآن أصيلان من الطبيعة البشرية، وهما مكونان ضروريان لخلق سعادة مستقرة. الإنسان مكوَّن بحيث يكون غير راض مهما أنجز وما لا يرضيه هو أنّه لم يتمكن بعد من إنجاز هذا الشيء أو ذاك. هذا الغياب الدائم للرضا هو ما جعل جنسنا يقاوم وينجح في البقاء وفي البناء وفي حكم الكوكب. فعدم الرضا ميزة يمتاز بها الإنسان عن غيره. فالسعادة تأتي من حل المشاكل، من وجود المشاكل أولاً ومن ثم حلها.

المعاناة طريق السلامة: فعندما تتألم وتحرق إصبعك بسبب لمسك لماء حار فهذا الألم الذي يبدو سيئاً هو تنبيه لك بأنّك يجب أن تبتعد عن هذا الماء لكي لا تحرق يدك، بالتالي فهذه الأذية حماية لك من أذية أكبر منها بأضعاف مضاعفة، هذا الألم هو منبع للراحة والسلامة ولولا هذا الألم لعانيتَ معاناة شديدة من جراء حرق يدك وربما جسمك كله. هذه هي الجرعات الصحية من الألم المادي والمعنوي. إنّها مشاكل ولكنها مشاكل من النوع الجيد.

 

إنكار المعاناة أمر خطير: عدم وجود المشاكل في الحياة أمر مستحيل ، وإنكار المشاكل يمنح شعوراً آنياً بالراحة لكنه يؤدي إلى العصابية وانعدام الأمان والاكتئاب. واجه مشاكلك وإياك أن تهرب منها. يعتقد البعض أنّهم عاجزون عن حل مشاكلهم، ويلقون باللائمة على الآخرين وعلى الظروف الخارجية وهذا يمنحهم بعض العزاء ولكنه يؤدي بهم إلى حياة من العجز واليأس والحنق الدائم. إنّ تناول الكحول والتدخين وإلقاء اللوم على الآخرين والإحساس بالعجز مخارج سريعة تؤمن لك حالة من تسكين الآلام وتشعرك ببعض الراحة الآنية وليس من الخطأ الاعتماد عليها قليلاً لمساعدتنا على تحمل آلامنا، لكن المبالغة في استخدامها يجعلك أكثر اعتماداً عليها ويجعلك مدمناً عليها، فهي حالات من الهروب تبعدك عن مواجهة مشكلتك الحقيقية ومحاولة حلها.

 

التميّز الكاذب

الشخص الذي يرى أنّ له قيمة كبيرة هو مجرد شخص يمتلك قدرة عالية على النظر إلى الأجزاء السلبية من شخصيته نظرة إيجابية. ينتقل هذا الشخص من نجاح وهمي إلى نجاح وهمي آخر ويراكم مستويات كبرى من الإنكار.

 

الأسباب: عندما تحدث مشاكل كبرى في حياتنا فإنّنا نحس بشكل لا شعوري أنّنا عاجزون عن حلها وهذا يجعلنا نشعر بالتعاسة والعجز. لكن هذه المشاكل الفريدة تدفعنا أيضاً إلى الإحساس بفرادتنا، فإما أن نعتقد أنّنا أفضل من الآخرين ونستحق معاملة خاصة منهم – التعظيم – ، أو أنّنا أسوأ منهم وبالتالي فنحن أيضاً نستحق معاملة خاصة منهم – الإشفاق - .

في الحقيقة لا يوجد مشكلة في هذا العالم تصيبك وحدك، بل هناك احتمال جدي أن يعاني ملايين الأشخاص حول العالم من نفس المشكلة، وهذا لا يعني أنّك لست ضحية في بعض الأوقات أو أنّ مشاكلك غير مؤلمة، ولكن معنى هذا الكلام أنّك لا يمكن أن تكون فريداً بسبب مشكلة تعرضت لها. يعد فهم الجملة السابقة الخطوة الأولى نحو حل المشاكل.

 

عصر التطرف: يتمتع أغلب الناس بسوية متوسطة في معظم الأشياء التي يقومون بها، وحتى إذا كان الإنسان استثنائياً في شيء ما فإنّ هذا يتطلب منه الوقت والجهد، ولذلك فإنّه لن يتمكن من أن يكون استثنائياً في أكثر من شيء واحد هذا إذا افترضنا أنّه نجح في أن يكون استثنائياً في شيء ما. فأغلب رجال الأعمال الناجحين فاشلون في حياتهم الشخصية، وأغلب الرياضيين اللامعين يكونون ذوي تفكير ضحل. يتميز عصرنا بأنّه عصر تفجر المعلومات فلدينا كم هائل من المعلومات التي نستطيع الاطلاع عليها، ولكن بما أنّ عقلنا محدود فإنّ قدرتنا على التركيز والانتباه تتوجه إلى المعلومات المتطرفة والاستثنائية والتي لا تتجاوز نسبتها واحداً من مئة ألف. لذلك تمتلئ وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي بالأخبار المتطرفة لأنّها تلفت انتباه الجمهور وتحقق الربح لوسائل الإعلام. ولكن الحياة الحقيقية لمعظم البشر ليست متطرفة ولا استثنائية إنّها حياة طبيعية وعادية. ولكن سعي وسائل الإعلام للربح جعلنا نعتقد أنّ الاستثناء هو القاعدة وأنّ التطرف هو الأمر العادي والسائد في كل الدنيا. بل بتنا نعتقد أنّه الناظم الجديد لحياة البشر. وبما أنّ معظم الناس غير متطرفين وغير استثنائيين فإنّ متابعتهم الدائمة لوسائل الإعلام ولوسائل التواصل الاجتماعي يجعلهم يشعرون بالغربة وبالدونية. فيعوضون عن ذلك إما بتضخيم الذات أو بتضخيم الآخرين. كما يحاولون تعويض شعورهم بالغربة والدونية من خلال سعيهم المحموم للتميز والاختلاف في أي شيء سواء أكان سلبياً أم إيجابياً، وهم هنا لا يسعون للتميز بحد ذاته بل لتعويض الإحساس بالنقص الذي يعتريهم. فكما ترى أشخاصاً يحاولون أن يكونوا في قمة النجاح فهناك أشخاص يسعون لأن يكونوا في قمة الفشل – فهذا بحد ذاته تميز أيضاً – فكما أنّ هناك أشخاصاً يسعون بشكل مبالغ فيه إلى الحفاظ على صحتهم فهناك أشخاصاً آخرين يهملون صحتهم بشكل مبالغ فيه وهذا أيضاً سعي نحو التميز ولو بشكل سلبي.

إدراك الذات هو الحل: إنّ إدراكك لذاتك وقبولك بها يحررك ويمكنك من إنجاز ما أنت راغب حقاً في إنجازه من غير تأثر بأحكام الآخرين ومن غير آمال كبيرة لا أساس لها. وسوف تتحلى بتقدير متنام لتجارب الحياة العادية فتسر بعلاقة صداقة بسيطة وبابتكار أسلوب بسيط لحل مشكلة ما تواجهك، وبمساعدة شخص صاحب حاجة وبقراءة كتاب جيد أو حتى بقضاء وقت مسل مع صديق حميم. قد تبدو هذه الأحداث عادية ولكنها عادية لسبب بسيط: لأنّها جوهر حياتنا.

 

القيم

تحديد القيم: إذا كانت المعاناة والمشاكل أمراً لا مفر منه في الحياة فإنّ السؤال الذي يجب أن تجيب عليه ليس كيف أوقف المعاناة؟ بل لماذا أعاني ولأي غاية؟ وعلى هذا الجواب تتوقف قدرتك على تقبل ما تعانيه أو إيجاد الحل المريح. لحل المشاكل التي تسببها لنا قيمنا الخفية علينا: أولاً فهم المشاعر التي نحس بها، ثانياً التساؤل حول أسباب هذه المشاعر، ثالثاً تحديد القيم والمبادئ التي تحرك هذه المشاعر. فمن يسعى للثراء الفاحش مثلاً لا يتم حل مشكلته بمساعدته على كسب المال ولكن بدراسة الأسباب التي جعلته يعتبر الثراء الفاحش قيمة تستحق السعي من أجلها.

القيمة ومقياس القيمة: يتبنى الإنسان السوي العديد من القيم الإيجابية كالصداقة والنجاح والمحبة والصدق ومساعدة الآخرين ... ولكنه قد يخطئ في اختيار المقياس المناسب لها مما يجعله يحس بالفشل ويتخلى عن تلك القيمة رغم إيجابيتها، فالصداقة مثلاً قيمة إيجابية لكننا قد نختار لها مقياساً خاطئاً، كأن نعتبر مقياس صداقتنا مع شخص ما هو مرافقته لنا إلى النادي الرياضي فإذا رفض مرافقتنا نعتبر أنّه ليس صديقاً حقيقياً وأنّنا فشلنا في تحقيق الصداقة. والحل هنا أن نتخذ مقياساً أكثر أهمية وواقعية مثل التفاهم والود والتضحية والاحترام المتبادل، فمن يحقق هذه المقاييس يغدو صديقنا بغض النظر عما سواها.

مقياس النجاح: غريزتنا تجعلنا نقيس أنفسنا بالآخرين ونفني أنفسنا بحثاً عن تحقيق مكانة لديهم، وليست المشكلة أنّنا نقيم أنفسنا بالمقارنة مع الآخرين بل بالمعيار الذي نقيس أنفسنا وفقه.

فمن الطبيعي أن يقيس شاعر مبتدئ نجاحه بالمقارنة مع نجاح زملائه من الشعراء، ولكن أليس من الحماقة أن يعتبر نفسه فاشلاً إذا وجد أنّ قصائد المتنبي أجود من قصائده. إذا كنت ترغب في تغيير نظرتك إلى مشكلاتك فعليك أن تغير مقياس نجاحك أو فشلك.

القيم السلبية: تعتبر بعض الحالات نتائجاً للنجاح ومن الخطأ اعتبارها قيماً بحد ذاتها:

المتعة: الجرعات الصحيحة من المتعة ضرورة من ضروريات الحياة، لكن الإسراف في السعي وراء المتعة السطحية أمر مدمر واسأل عن ذلك أحد مدمني المخدرات أو الكحول أو حتى أحد مدمني المأكولات الدسمة والوجبات السريعة. باختصار ليست المتعة سبباً للسعادة بل هي أثر ناتج عن السعادة.

النجاح المادي: الارتباط بين السعادة والنجاح المادي يضمحل تماماً بعد أن يتمكن المرء من توفير احتياجاته المادية الأساسية كالطعام والمسكن. والمشكلة الأخرى هي عندما تضع النجاح المادي في قمة أولوياتك .

الصواب الدائم: الإنسان كائن خطاء ومن الممكن أن يرتكب الأخطاء في كثير من الأحيان، فإذا قاس مقدار نجاحه بأن يكون دائماً على صواب فإنّه سيفشل في تحديد أسباب أخطائه. وسيفشل في تعلم أشياء جديدة. من المفيد أن تعتبر نفسك جاهلاً وأنّ هناك الكثير من الأشياء التي لا تعرفها فهذا يجعلك غير مقيد بأية معتقدات وهمية غير مستندة إلى معلومات كافية، ويشجعك على أن تكون في حالة دائمة من التعلم والتحسن.

الإيجابية المبالغ بها: من السيء أن تنظر بإيجابية إلى تجارب معينة مثل فقدان العمل، فالشيء الإيجابي الوحيد الذي يمكن القيام به في هكذا حالة تقبّل الأمر كما هو. يؤدي إنكار المشاهدات السلبية إلى عيش انفعالات سلبية أكثر عمقاً وامتداداً في الزمن وبالتالي إلى عجر انفعالي. فالإيجابية الدائمة نوع من أنواع الهروب. وإنكار الجانب السلبي يطيل أمد المشكلة بدلاً من حلها. يقول فرويد: "عندما تستعيد ذكرياتك في يوم من الأيام يفاجئك أنّ سنوات المشقة كانت أجمل سنواتك".

القيم الجيدة: واقعية بناءة داخلية، فالصدق مثلاً أمر واقعي لأنّ من الممكن تطبيقه، وبنّاء لأنّه يحقق الفائدة للفرد والمجتمع، و داخلي لأنّ دافعك الدائم للصدق ينبع من داخلك وليس من الآخرين.

القيم السيئة: خيالية هدامة خارجية، فالسعي وراء الشهرة مثلاً أمر خيالي لأنه ليس مبنياً على الواقع، وهو هدام لأنّه لا يهدف لمنفعتك ومنفعة المجتمع، وخارجي لأنّ دافعك نحوه هو إرضاء الناس وليس إرضاء ذاتك.

 

تحمل المسؤولية

الاختيار: يكمن الفرق في بعض الأحيان بين التجارب المريرة والتجارب الممتعة في مدى الاختيار، تخيل الفرق بين أن تختار تطبيق حمية قاسية لإنقاص وزنك والحصول على جسم مثالي تتباهى به أمام أصدقائك على الشاطئ في الصيف، وبين تطبيق نفس الحمية بشكل قسري وتحت إشراف طبي بهدف التعافي من مرض مزمن سببته زيادة الوزن وشكل خطراً على حياتك، التجربة واحدة لكن الفرق في الإحساس فرق شاسع.

قبول المسؤولية: ينبع رفضنا لبعض التجارب من إحساسنا بأنّها فرضت علينا وأنّنا لم نخترها، والحقيقة أنّنا حتى ولو لم نكن نحن من اختار بعض التجارب في حياتنا فإنّنا نحن من نختار رد الفعل الذي نقوم به تجاهها، وبالتالي فنحن مسؤولون بشكل ما عما تسببه لنا لأنّنا اخترنا بطريقة ما أسلوب استجابتنا لهذه التجربة. فبالتأكيد لست مسؤولاً عن تعرضك لصدمة سيارة لأنّك لم تختر ذلك ولكنك مسؤول عن طريقة تعاملك مع تلك الحادثة وردة فعلك تجاهها لأنّك أنت من تختار ردة الفعل تلك. وقد تلقي باللائمة في هذه الحادثة على شخص ما – سائق السيارة مثلاً – لكن الإصابة التي تعرضت لها تغدو مسؤوليتك لأنّك أنت صاحب الشأن وأنت الذي يتوجب عليك تجاوز محنتك. إنّ مجرد اعتقادك بأنّ حادثاً ما كنت قد تعرضت له سيدمر حياتك هو أمر مدمر للحياة، بعد الحادث مباشرة يغدو الاعتقاد مشكلة أكبر من الحادث نفسه.

الضحية: إياك أن تعتبر نفسك ضحية للظروف والأحداث المحيطة بك – حتى ولو كنت كذلك – فمجرد قبولك بلعب دور الضحية سيجعلك عاجزاً مسلوب الإرادة وسيفاقم المشاكل التي تتعرض لها ويمنعك من التطور.

 

الخطأ

الإقرار بالخطأ: نحن نرتكب الأخطاء بشكل حتمي ودائم، والتطور في هذا المجال يكمن في أن ننتقل من خطأ إلى خطأ أقل منه بشكل بسيط ثم إلى خطأ أقل منه بشكل كبير وهكذا دواليك ... ليس علينا معرفة الصواب معرفة دقيقة ولكن علينا معرفة الخطأ لكي نتخلص منه ونصبح مخطئين بشكل أقل يوم غد. فالقيم التي نتبناها مجرد فرضيات، والأفعال التي نقوم بها مجرد تجارب، والمشاعر التي نحس بها نتيجة ذلك بيانات توضح لنا مدى خطئنا، فلا وجود لعقيدة كاملة أو أيديولوجية صائبة، الموجود فقط أفكار تكونت لديك نتيجة لتجاربك، وهي شخصية وآنية أي أنّها صحيحة بالنسبة لك أنت فقط وفي هذا الوقت فقط، فبما أنّ لكل إنسان تجارب مختلفة في هذه الحياة فإنّ كل إنسان يتوصل إلى أفكار مختلفة، كما أنّ هذه التجارب تتغير وهذه الأفكار تتطور مع مرور الزمن لدى نفس الشخص.

الخوف من الخطأ: هناك أشخاص يخافون من ارتكاب الأخطاء في حياتهم إلى حد يجعلهم لا يعيشون تلك الحياة أبداً. إنهم يفضلون تبني اعتقاد يمنحهم راحة زائفة على خوض تجربة واقعية تقدم لهم سعادة حقيقية – كالشخص الذي لديه موهبة في التمثيل ويخاف أن يضعها حيز الاختبار والتطبيق، يتبنى هذا الشخص فكرة أن لديه موهبة فذه لدرجة لا يستطيع المجتمع تقدير قيمتها ويجلس في منزله مما يمنحه راحة مؤقتة زائفة، بدل أن يحاول خوض تجربة التمثيل وتطوير مقدراته تدريجياً حتى يغدو ناجحاً بالفعل. اليقين عدو التطور، والاعتراف بالخطأ بداية الحل.

 

اليقين

المعتقدات الخاطئة: قال الكوميدي  إيمو فيليبس: "كنت أظن أنّ الدماغ أعظم عضو في جسدي ثم عرفت من يقول لي هذا". وإليك تجربة توضح الأمر بدقة:  تم وضع عدد من الأشخاص في غرفة فيها مصباح كهربائي ومقبس لتشغيل المصباح، وقيل لهم أنّ هناك طريقة سرية لتشغيل المصباح من خلال المقبس وعليكم اكتشافها. في الحقيقة كان المصباح مفصولاً عن المقبس وهو يضيء لوحده كل عدة دقائق بشكل عشوائي. كان كل شخص يحاول اكتشاف الطريقة الغامضة المزعومة لتشغيل المصباح وعندما يراه مضاء يعتقد أنّه قد نجح واكتشف الطريقة. الطريف في الأمر أنّ الجميع خرجوا من التجربة وهم يعتقدون أنّهم كسبوا الرهان ونجحوا في اكتشاف الطريقة الصحيحة في إضاءة المصباح رغم أنّ المقبس كان منفصلاً تماماً عن المصباح ولا علاقة له به. المشكلة هنا أنّ كل شخص خضع للتجربة وصل لمرحلة من اليقين بأنّ الطريقة التي ابتكرها لتشغيل المصباح هي الطريقة الصيحة – والتجربة التي قام بها أكبر برهان – ولن يتمكن أحد من ثنيه عن يقينه. إنّ العقل البشري مصمم للتمسك بالمعنى الذي يخلقه بنفسه والذي ينحاز إليه ويرفض أي دليل يشكك في صوابية هذا المعنى.

مخاطر اليقين المحض: وفقاً للقانون التراجعي فإنّك كلما حاولت أن تكون على يقين من شيء ما، أحسست مزيداً من اللايقين ومن قلة الأمان، وكلما قبلت اللايقين واعترفت بأنّك لا تعرف، ازداد إحساسك بالراحة لأنّك تدرك حدود معرفتك. اللايقين يزيل أحكامنا تجاه الآخرين ويمنع الانحياز والتحامل. تقول الحكمة: "الرجل المتيقن من أنّه يعرف كل شيء لا يستطيع أن يتعلم شيئاً".

ما الذي يدفعك للتمسك باليقين وتجنب التجارب الجديدة: عندما تحجم عن خوض تجارب جديدة وتتمسك بأعمالك المعتادة فسوف تعتاد على الإحساس بأنّ وقتك ضيق ولا متسع للمزيد من الأعمال. يقول باركنسون: "يتوسع العمل حتى يملأ الوقت المخصص لإنجازه". تعتقد أنّ هذا يؤمن لك السلامة فممارسة الأعمال التي اعتدتها يجنبك الوقوع في الأخطاء ولكن هذا خاطئ تماماً، يقول مورفي: "إن كان هناك احتمال لحدوث خطأ ما، فسوف يحدث". ومن المهم أن تفهم أنّك ستتجنب تجارب جديدة رغم أهميتها لمجرد إحساسك بخطورتها الوهمية، فهي سوف تشكل تهديداً لشخصيتك الحالية لمجرد أنّها ستدفعك إلى تغيير أفكارك ومعتقداتك حتى ولو أدى ذلك إلى تطوير ذاتك، يقول مانسون: "كلما ازداد خطر شيء ما على هويتك، كلما ازدادت محاولتك لتجنبه". حتى إذا كان ذلك ربح مليون دولار.

اقتل نفسك: تقول البوذية أنّ فكرتك عمن أنت ليست أكثر من إنشاء عقلي اعتباطي، وأنّ عليك التخلي عن فكرة أنّك موجود أصلاً. عندما نتخلى عن القصص التي نرويها عن أنفسنا فإنّنا نتحرر ونصبح قادرين على الفعل والفشل والنمو والتطور. نصيحتي لك: "لا تكن خاصاً ولا تكن فريداً أعد تحديد مقاييسك بطريقة عامة منتمية إلى هذا العالم، فكلما تصورت أنّ هويتك أكثر ضيقاً وأكثر ندرة، بدا لك أنّ كل شيء يمكن أن يهدد هذه الهوية".

خطوات تطوير الذات: لكي تقوم بتطوير ذاتك بشكل منهجي يجب أن تصحح أخطاءك ويتم ذلك بإجابتك على الأسئلة التالية:

السؤال الأول: ماذا لو كنت مخطئاً؟

السؤال الثاني: إن كنت مخطئاً فما معنى هذا؟ هل أمتلك شجاعة تغيير أفكاري؟ يقول أرسطو: "من مزايا العقل المثقف أنّه قادر على التأمل في فكرة من الأفكار من غير أن يقبلها".

السؤال الثالث: هل يؤدي اعترافي بالخطأ إلى تقليل مشاكلي أم إلى زيادتها؟

 

الفشل

الفشل طريق النجاح: كان بيكاسو في السبعين من عمره جالساً في مقهى يخربش على منديل ويرسم لوحة بسيطة وكانت هناك امرأة بجواره تراقبه بذهول. عندما أنهى بيكاسو رسم تلك اللوحة التكعيبية الانطباعية على المنديل الملوث بالقهوة كور المنديل في يده حتى يرميه في سلة المهملات أثناء خروجه. أوقفته المرأة قائلة له: "انتظر. هل يمكنني أخذ المنديل وسأدفع لك ثمنه؟ أجابها نعم بكل تأكيد أريد عشرين ألف دولار. ردت المرأة مذهولة لكن الرسم لم يستغرق منك سوى دقيقتين، فأجاب: كلا لقد استغرق الرسم ستين عاماً، ووضع المنديل في جيبه وخرج.

يقوم تطور كل شيء على آلاف حالات الفشل الصغيرة. فحجم نجاحك في شيء ما معتمد على عدد مرات فشلك في فعل ذلك الشيء. هل يتعلم الطفل المشي قبل أن يتعثر ويقع آلاف المرات؟ ثم هل تثنيه آلام الوقوع والنهوض عن متابعة محاولاته لتعلم المشي؟.

حتى تحقق النجاح يجب أن يكون دافعك داخلياً: القيم السيئة تشمل أهدافاً خارجية لا سيطرة لنا عليها. وحتى إذا تمكنا من تحقيقها فإنّها تشعرنا بالخواء وتجعلنا نطرح السؤال ماذا بعد؟ إنّنا نحتاج لأهداف أخرى. فإذا كان مقياسك للعمل الناجح هو امتلاكك لمنزل وسيارة فإنّك وبعد أن تملك المنزل والسيارة ستصاب بحالة من الخواء وتسأل نفسك ماذا بعد؟ وسيفقد العمل قيمته بالنسبة لك. عاش بيكاسو حتى أواخر الثمانينات من عمره وظل يعمل ويبدع حتى آخر لحظات حياته فلو كان هدفه خارجياً كتحقيق الشهرة أو جني المال الكثير لتوقف عن الرسم قبل ذلك حتماً. لقد كان هدفه التعبير الصادق لذلك فقد كان المنديل المتسخ يساوي عنده كل ذلك المبلغ.

الألم جزء من المسار: هنالك منغصات كثيرة في الحياة، أشياء لا تعرف كيف تفعلها، أنت لا تعرف كيف تقول لصديقتك أنّك تحبها وترغب في التقدم لخطبتها، أو أنّك لا تعرف كيف تقول لوالديك أنّك كبرت ويجب أن تحصل على قسط أكبر من الحرية والخصوصية ، ولا تعرف كيف تقول لمديرك أن يكف عن التدخل في طريقة تنفيذ مهامك ... إنّ هذا الوضع لن يتغير أبداً وستظل لديك أشياء تجد صعوبة في تنفيذها حتى لو كنت سعيداً وفي قمة مجدك وحتى ولو ربحت الجائزة الكبرى في اليانصيب. لا تنس هذا أبداً ولا تخف من هذا أبداً.

مبدأ افعل شيئاً ما: إذا فشلت في حل مشكلة صعبة فإياك أن تجلس وتفكر في مدى صعوبتها، بدل ذلك حاول إيجاد حل لها حتى لو كنت لا تعرف ما تفعله، فإنّ مجرد العمل على حلها يؤدي إلى جعل الأفكار الصحيحة تأتي إلى عقلك.

لا يكون القيام بالفعل نتيجة للتحفيز بل هو سبب لنشوء التحفيز أيضاً. أرغم نفسك على فعل شيء صغير فتغدو المهام الكبيرة أكثر سهولة. فإذا كان تنظيف المنزل عملاً شاقاً لا طاقة لك به فحاول أن تبدء بتنظيف طاولة المكتب وانتقل بعدها إلى ترتيب غرفة النوم وهكذا وستجد أنّك انخرطت في مهمة تنظيف المنزل وأتممت العملية بشكل سهل.

 

بناء علاقة سليمة

الرفض: الحرية المطلقة لا تعني شيئاً في حد ذاتها. فأهمية الحرية أنّها تمنح المرء فرصة لاكتساب قدر أكبر من المعنى. ورفض بعض الخيارات – أي تضييق الحرية – هو الطريق الوحيد لتحقيق المعنى. تشير بعض طرق التفكير الإيجابي إلى أنّنا يجب أن نكون منفتحين وأن نتقبل الآخرين وأفكارهم وتصرفاتهم ونشاركهم فيها. في الحقيقة علينا رغم ذلك أن نرفض شيئاً ما وإلا فإنّنا نغدو من غير معنى. من المريح أن لا ترفُض ولا ترفَض لكن هذه الراحة مؤقتة وزائلة. إن اختيارك لقيمة ما لنفسك يتطلب منك أن ترفض قيماً أخرى. فإذا اخترت الزواج مثلاً فيجب عليك أن ترفض المجون والتهتك والعلاقات العابرة.

الحدود: الحب الرومنسي أمر جيد بشرط ألا يتجاوز حدوده، فالعلاقة الصحية لها معياران: أولاً: مدى تقبل المسؤولية تقبلاً حسناً من جانب كل طرف من طرفي العلاقة. ثانياً: استعداد كل طرف لإبداء الرفض تجاه شريكه ولقبول هذا الرفض.

يقع أصحاب الاستحقاق الزائد في إحدى مشكلتين إما أن يعتبروا أنّهم مسؤولون عن مشاكل الآخرين أو أنّهم يعتبرون الآخرين مسؤولين عن مشاكلهم. فالعلاقة غير السليمة هي العلاقة التي يحاول فيها كل طرف حل مشكلة الطرف الآخر، والعلاقة السليمة هي العلاقة التي يحاول فيها كل طرف حل مشاكله بنفسه. ولا مانع من أن يقدم كل طرف المساعدة للطرف الآخر. لا تهتم بكل ما يهتم به شريكك بل اهتم بشريكك.

بناء الثقة: عندما يكون في قمة أولوياتنا أن نجعل أنفسنا مسرورين بأنفسنا طيلة الوقت، أو أن نجعل شركاءنا مسرورين بأنفسهم طيلة الوقت، فمن المؤكد أنّ لا أحد منا سينتهي به الأمر وهو مسرور بنفسه. وسوف تنهار العلاقة كلها قبل أن نفطن إلى شيء. لا يوجد ثقة من غير نزاع فالنزاع يجعلنا نميز بين من هو معنا من غير شروط ومن هو معنا من أجل المكاسب. فلا أحد يثق بمن يقول نعم طوال الوقت. فحتى تكون العلاقة صحية يجب أن يكون طرفاها مستعدين لقول كلمة لا ولسماع تلك الكلمة.

استعادة الثقة المفقودة: في حالة فقد الثقة بين طرفين نتيجة خيانة أحدهما للآخر لا يكفي الاعتراف بالذنب وتقديم الاعتذار لاستعادة الثقة، فمن واجب المخطئ أن يدرس سلوكه ويحلل القيم التي لديه والتي دفعته لارتكاب الخطأ ويقر للطرف الآخر بأنّه قد تجاوز تلك القيم ولن يعود لفعلته. ثم تأتي المرحلة الثانية وهي مرحلة الأفعال التي يثبت فيها المخطئ بأفعاله أنّه تجاوز فعلته السابقة وأنّه لن يكررها أبداً. وليس هناك أيّة قيمة للمصالحة بدون الخطوة الأولى على الأقل.

الحرية من خلال الالتزام: تحاول الثقافة الاستهلاكية إقناعنا بأنّنا بحاجة للمزيد من كل شيء،  المال والعلاقات والسلع والتجارب... ولكن الحقيقة أنّ المزيد من الأشياء يحمل لنا المشاكل فكلما ازداد عدد الخيارات المتاحة أمامنا قل رضانا عن الخيار الذي نختاره، لأنّنا أدركنا حجم ما كان متاحاً لنا. كما أنّ الجري وراء المزيد يحرمنا من فرصة عيش ما يقدمه لنا المضي عميقاً في أية تجربة، لأن ذلك لا يتحقق إلا بعد إمضاء زمن طويل فلا يمكنك أن تحس بقيمة العلاقة الزوجية أو العمل أو المنزل إلا بعد عدة سنوات من الالتزام.

 

الموت

فكرتنا عن الموت: إذا أمضيت القسم الأكبر من حياتك القصيرة في تجنب ما هو مؤلم ومزعج، فهذا يعني أنّك تتجنب أن تكون حياً. لولا وجود الموت لبدا لنا كل شيء عديم الأهمية و لصارت القيم والمقاييس كلها صفراً. يقول أرنست بيكر في كتابه إنكار الموت: يتميز الإنسان بميزتين: أولاً أنّه يفكر في نفسه ويتصورها وبالتالي فنحن ندرك أنّنا سنموت في وقت ما ونتخيل كيف سيكون العالم بعد موتنا لذلك فنحن لدينا "قلق الموت". ثانياً لدى الإنسان نفس جسدية أو مادية ونفس متخيلة مكونة من مجموعة أفكار تكوِّن هويتنا – باختصار نحن مكونون من جسد وروح – ولأنّنا ندرك أن الجسد فانٍ فإننا نحاول تخيل وجود روح باقية خالدة. لذلك فنحن حريصون على تحقيق الخلود من خلال التأثير في الآخرين مما يجعلنا نعيش بعد موتنا من خلال استمرار آثارنا فيهم. والحضارة البشرية كلها مجرد نتيجة لمشاريع الخلود تلك التي قام بها البشر على مر التاريخ. ويؤدي فشل مشاريع الخلود الخاصة بنا إلى إصابتنا بالاكتئاب والأمراض النفسية. إنّ مشاريع الخلود هذه هي قيمنا وهي مقياس المعنى الحقيقي والقيمة الحقيقية لحياتنا.

الحل وفق بيكر أن يضع الناس أنفسهم المتخيلة – أرواحهم – موضع التساؤل وأن يحاولوا قبول حقيقة أنّهم سيموتون. فعندما نتقبل الحقيقة المرة ونقتنع بأنّنا سنموت لا محالة نصبح قادرين على اختيار قيمنا بحرية أكبر.

 

الجانب المشرق للموت: إنّ مواجهة حقيقة فنائنا أمر في غاية الأهمية لأنّه يزيل عنا كل ما في حياتنا من قيم تافهة سطحية هشة. السبيل الوحيد لأن تحس بالراحة تجاه الموت هو أن تفهم نفسك وأن ترى نفسك كما لو أنّك شيء أكبر من نفسك وأن تختار القيم التي تمتد إلى ما بعد زمنك أنت نفسك، قيم بسيطة مباشرة يمكنك التحكم فيها ويمكنها التسامح مع فوضى العالم من حولك. هذا هو الجذر الأول لكل سعادة. وسواء كنت تحب الإصغاء إلى أرسطو أو علماء النفس في جامعة هارفرد أو إلى يسوع المسيح أو فرقة البيتلز فسوف تجدهم جميعاً يقولون لك إنّ السعادة تأتي من الشيء نفسه: الاهتمام بشيء أكبر من نفسك، والإيمان بأنّك عنصر مكون من كلٍّ أكبر منك بكثير، وبأنّ حياتك ليست أكثر من عملية جزئية تحدث ضمن عملية كبيرة لا سبيل إلى فهمها. هذا هو الإحساس الذي يجعل الناس يذهبون إلى دور العبادة، وهو ما يجعلهم يخوضون الحروب، وهذا ما يجعلهم ينشئون عائلات، ويجمعون المدخرات التقاعدية، ويبنون الجسور ويخترعون الاختراعات، إنّه الإحساس الغامر بأنّك جزء من شيء أكبر منك وأكثر منك معرفة.

هذا ما يسلبنا إياه تضخيم الذات والشعور الزائد بالاستحقاق، فهذا الشعور يوجه انتباهنا كله نحو الداخل. ويمنحنا شعوراً بأنّنا محور الكون. مما يعزلنا عن غيرنا ويجعلنا نرفض العالم ونرفض كل شخص نلتقيه وكل حدث نعيشه. قد يمنحنا هذا الشعور راحة مؤقتة ولكنه يؤدي إلى تسميم أرواحنا. فنفقد شعورنا بالمسؤولية ونطلب من المجتمع أن يراعي مشاعرنا.

أنت عظيم حقاً لا لأنّك اخترعت تكنولوجيا جديدة أو تفوقت في دراستك أو جمعت أموالاً طائلة بل لأنّك قادر في خضم هذا التشويش الذي تتعرض له على مواصلة اختيار ما توليه اهتمامك وما لا توليه اهتمامك، وهذا ما يمنحك الأهمية حتى ولو كنت جائعاً وتنام في العراء.

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

اعمل بستانياً إذا كنت تحبّ الزهور

يحارب كلّ إنسان في العالم أحداً ما، وتجد إنساناً أقل شأناً من الآخر، ولا وجود للحبّ والاحترام والفكر، فكلّ فرد يريد أن يصبح ذا شأن؛ يريد عضو البرلمان أن يصبح رئيسه والوزير أن يصبح رئيس وزراء وهكذا دواليك. هناك قتال مستمر ومجتمعنا مبني على الكفاح المستمر للإنسان ضد أخيه الإنسان، ويدعون هذا الكفاح طموحاً. يقولون لك: يجب أن تكون طموحاً وذا شأن، أو عليك أن تتزوجي رجلاً غنياً، أو يجب أن تراعي اختيار أصدقائك. أي أنّ الجيل الأكبر سنّاً يحاولون أن يجعلوك مثلهم رغم ما يعتريهم من هلع وما تعج به قلوبهم من قبح، والمفارقة أنّك تريد أن تصبح مثلهم لأنّك مفتون بالمظاهر من حولك، فأنت تشاهد بانفعال كيف ينحني الجميع عندما يدخل الحاكم مجلساً ما. لذا من المهم جداً إيجاد المهنة المناسبة، وأقصد بالمهنة أمر تحبّ فعله، ويجب أن يكون هذا أمراً طبيعياً، فبعد كلّ شيء هذه هي الوظيفة الحقيقة للمدرسة، أي مساعدتك على تكوين شخصيتك بصورة مستقلة بحيث لا تكون طموحاً وتعرف كيفية إيجاد المهنة الأنسب لك، لكنها تشجع الطموحين والإنسان الطموح لن يجد مهنته الصحيحة أبداً. إنّ العمل في مهنة تناسب شخصيتك بصورة مثالية ل...

ملخص كتاب الحرية المالية

غلاف كتاب الحرية المالية   ملخص كتاب الحرية المالية جرانت سباتير ترجمة م. كنان القرحالي   المال هو الحرية سبعة مستويات للحرية المالية 1. الوضوح: عندما تعرف موقعك ووجهتك. 2. الاكتفاء الذاتي: عندما تكسب من المال ما يكفي لتغطية نفقاتك. 3. ال متنفس: عندما تخرج من دوامة العيش من مرتّب إلى مرتب. 4. الاستقرار: عندما تغطي ستة أشهر من خلال ادخار نفقات المعيشة وسداد الدَين السيئ مثل ديون بطاقة الائتمان. 5. المرونة: عندما تستثمر ما يغطي نفقات المعيشة عامين على الأقل. 6. الاستقلال المالي: عندما يمكنك العيش من الدخل الناجم عن استثماراتك ما دمتَ حيًا، لذا يصبح العمل اختياريًا. 7. ثروة وفيرة: عندما تكون لديك أموال أكثر مما ستحتاج إليه في أي وقت (الشكر للكاتب العظيم والصديق جيه دي روث مؤلف كتاب حقق الثراء بروية الذي كانت مستوياته إلهامًا لهذه المستويات).   الوقت أغلى من المال 1. المال غير محدود، أما الوقت فهو محدود، لذلك لا تهدر الوقت. 2. ينطوي نهج التقاعد التقليدي على ثلاث مشكلات رئيسة:         I.    ...

من كتاب الحياة ليست سينما -1

من كتاب الحياة ليست سينما اختيار وترجمة كنان القرحالي للمفكر العظيم كرينشامورتي إنّ الحياة دون حبٍّ صحراء قاحلة، ودون الحبّ لا معنى للطيور ولا لبسمة النساء والرجال ولا للجسر فوق النهر ولا للبحارة ولا للحيوانات؛ دون حبٍّ ما الحياة إلا مستنقعٌ ضحلٌ؛ ففي النهر العميق نجد الغنى والتنوع حيث يمكن للأسماك العيش، فيما يجف المستنقع الضحل بفعل أشعة الشمس القوية، ليبقى الطين والأوساخ. ------ الحبّ أمرٌ جديدٌ، منعشٌ، حيٌّ، لا يعرف ماضٍ ولا مستقبلَ، إنّه أبعد من اضطرابات الفكر، وحده العقل البريء هو من يعرف ماهية الحبّ. ---- إذا وُجِدَ الحبّ لن يكون هناك تعلّقٌ، وإذا وُجِدَ التعلّق لن يكون هناك حبٌّ، أي أنّ وجود الحبّ يتم بنفي وجود غيره، وهذا ما يعني في حياتنا اليومية: عدم تذكّر أي شيء قالته زوجتي أو حبيبتي أو جاري، لا ذكرى أحملها لأي أذية، لا تعلّق للصورة التي أحملها عنها، فقد كنتُ متعلّقاً بالصورة التي أنشأها فكري عنها، أنّها قد تسبّبُ إيذائي أو إزعاجي أو أنّها قد منحتني الراحة الجنسية وغيرها الكثير من الأمور التي أنشأ فكري صورةً عنها، والتي بدوري تعلّقتُ بها، وبهذا يكون...