من كتاب مضاد الهشاشة - نسيم طالب
ت: كنان القرحالي
سيف ديموقليس
يعيش لدى الطاغية الصقلي ديونيسيوس الثاني خطيب متزلف من الحاشية يُدعى ديموقليس، وإذ يُعجب ديموقليس بالرفاهية التي تحيط الحاكم يعرض عليه الحاكم التنعم بهذا الترف فيُجلِسه في مأدبة فاخرة لكن مع سيفٍ يتدلى من السقف معلقاً بشعرة واحدة من ذيل حصان. وستنقطع شعرة الحصان في النهاية تحت الضغط ليتبعها مشهد الدم وصرخات الفاجعة، ما يعادل دوي سيارات الإسعاف القديمة. إنّ ديموقليس هش، وما هي إلا مسألة وقت قبل أن يخترقه السيف دون رحمة.
عودة طائر الفينيق
وفي أسطورة قديمة أخرى، لكن هذه المرّة أسطورة إغريقية محدّثة عن الأسطورة السامية والمصرية القديمة، نجد طائر الفينيق، الطائر ذا الألوان البهية، والذي كلما هلك ولد من جديد من رماده، ليعود دائماً إلى سابق عهده، وقد صدف وأن كان طائر الفينيق الرمز القديم لبيروت، المدينة التي ترعرعت فيها. ووفق الأسطورة، دُمرت باريتوس (الاسم التاريخي لبيروت) سبع مرّات في تاريخها الممتد لخمسة آلاف عام، وعادت إلى الحياة سبع مرّات، تبدو القصة مقنعة، بما أنّني شهدت بنفسي الحلقة الثامنة، فقد تم تدمير وسط بيروت (الجزء القديم من المدينة) بالكامل للمرّة الثامنة أواخر طفولتي، بسبب الحرب الأهلية الوحشية، وشهدت أيضاً إعادة بنائها للمرّة الثامنة.
لكن أعيد بناء بيروت بأحدث نسخة لها بشكلٍ أفضل مما كانت عليه، وفي هذا مفارقة مثيرة للاهتمام: فقد دفن زلزال عام 551 م مدرسة القانون الروماني، والتي تم اكتشافها كمكافأة من التاريخ خلال عملية إعادة الإعمار (مع تبادل علماء الآثار والمطورين العقاريين للشتائم)، هذا ليس بطائر فينيق إذ يتجاوز حالة المتين، وهذا ما يوصلنا إلى الاستعارة الميثولوجية الثالثة: الهيدرا.
الهيدرا التي لا تُقهر
إنّ هيدرا في الميثولوجيا اليونانية مخلوق يشبه الثعبان، وهو يقطن في بحيرة ليرنا قرب أرغوس، وله العديد من الرؤوس، وكلّ ما قُطِع له رأس، ينمو اثنان بدلاً منه، لذا فهو يحبّ الأذى، ويمثّل الهيدرا مفهوم تضاد الهشاشة.
يمثّل سيف ديموقليس الآثار الجانبية للسلطة والنجاح: لا يمكنك الارتقاء الحكم دون مواجهة هذا الخطر المستمر، إذ سيكون هناك من يعمل بجدٍّ للإطاحة بك، وكما السيف سيكون الخطر صامتاً متقطعاً لا يرحم، سيسقط فجأة بعد فتراتٍ طويلةٍ من الهدوء، ربما بعد أن يعتاد المرء عليه وينسى وجوده؛ ستكون البجعات السوداء هناك لتنال منك بما أنّه لديك الآن قدر أكبر لتخسره، ضريبة النجاح (والنمو) وربما هو جزاء لا يمكن تجنبه للنجاح المفرط. وفي النهاية كلّ ما يهم هو قوة الخيط، لا الثروة والسلطة الموجودة، لكن لحسن الحظ إنّه خطر معروف ويمكن قياسه والتعامل معه لأولئك العارفين.