مورجان هاوسل
ترجمة: كنان القرحالي
لا يعني الاستثمار الجيد اتخاذ قرارات جيدة بالضرورة، إنما يتعلق باستمراريته دون انقطاع.
ثمة مليون طريقة للثراء، والكثير من الكتب التي تتناول كيفية الوصول إليه، لكن هناك طريقة واحدة فقط للبقاء ثريًا. إنها مزيج من حسن التدبير والبارانويا (جنون الارتياب).
إنه موضوع لا نناقشه بما يكفي. لنبدأ بقصة سريعة عن مستثمِرَين، حيث لم يعرف أحدهما الآخر لكنْ؛ تقاطع مسارا حياتهما تقاطعًا مثيرًا للاهتمام، وقد حصل ذلك منذ ما يقرب من قرن.
***
كان جيمس ليفرمور أعظم متداول أسهم في عصره. ولد عام 1877، وأصبح تاجرًا محترفًا قبل أن يعرف معظم الناس التجارة في الأسهم، وبحلول سنّ الثلاثين من عمره كانت ثروته تعادل 100 مليون دولار بعد مراعاة التضخم.
ذاعت شهرة ليفرمور بحلول عام 1929، وأصبح أشهر المستثمرين في العالم، وقد عزز انهيار سوق الأسهم الذي حصل في العام نفسه إرثه التاريخي. كان ذلك الانهيار هو المدخل إلى الكساد الكبير، حيث قُضيَ على ما يزيد على ثلث قيمة سوق الأسهم خلال أسبوع في أكتوبر من عام 1929، الذي سُميت أيامه لاحقًا باسم الاثنين الأسود، والثلاثاء الأسود، والخميس الأسود.
تسلل الذعر إلى قلب زوجة ليفرمور دوروثي، وخافت من الأسوأ عندما عاد زوجها إلى المنزل يوم 29 أكتوبر، فقد انتشرت تقارير في جميع أنحاء نيويورك عن انتحار عدد من المضاربين في وول ستريت.
استقبلته هي وأطفالها بالبكاء، فيما كانت والدتها في حالة رعب، ودخلت إلى غرفة أخرى لتنتحب هناك. ووفقًا لكاتب السيرة الذاتية توم روبيثون، فقد وقف ليفرمور مرتبكًا لحظات عند الباب قبل أن يدرك ما يحدث، لكنه نقل لهم الخبر السار بكل طمأنينة وسعادة. لقد نجح بضربة عبقرية محظوظة في أن يراهن على انخفاض الأسهم. وسألت دورثي بترقب وحذر: "أتعني أننا نجونا من الدمار؟"
ردّ زوجها بابتسامة: "لا يا عزيزتي، لقد كان أفضل يوم تداول لي في حياتي! إننا أثرياء بكل معنى الكلمة، ويمكننا فعل ما يحلو لنا". غمرت السعادة دوروثي وركضت إلى والدتها لتخبرها الخبر السعيد ولتطلب منها التوقف عن النحيب. لقد حقق جيسي ليفرمور في يوم واحد ما يعادل أكثر من 3 مليارات دولار!
لقد أصبح من أثرى الرجال في العالم خلال أحد أسوأ الشهور في تاريخ البورصة، وبينما احتفلت عائلة ليفرمور بنجاحها الغريب تجول رجل آخر وهو منهار في شوارع نيويورك. إنه أبراهام جيرمانسكي، وهو مطوّر عقاري، كان من أصحاب الملايين، وقد حقق ثروة مهمة خلال عشرينيات القرن الماضي. فقد فعل ما فعله سكان نيويورك الناجحون خلال الازدهار الاقتصادي في أواخر العشرينيات: راهن بشدّة على ارتفاع سوق الأسهم.
في 26 أكتوبر من عام 1929، نشرت صحيفة نيويورك تايمز مقالًا من فقرتين يصوّر نهاية مأساوية لقصة جيرمانسكي:
"برنارد إتش. ساندلر: محامي في برودواي 225. صباح أمس طلبت منه السيدة جيرمانسكي من ماونت فيرنون المساعدة على العثور على زوجها المفقود منذ يوم الخميس. يبلغ جيرمانسكي من العمر 50 عامًا، وهو يعمل في قطاع العقارات في الجانب الشرقي، وقد قال ساندلر إنه استثمر بشدّة في سوق الأسهم. قال ساندلر إن "السيدة جيرمانسكي قد أخبرته أن صديقة لها قد رأت زوجها في وقت متأخر من يوم الخميس في وول ستريت بالقرب من البورصة، وأنها قد شاهدته وهو يمزق أوراق بيانات إلى قطع صغيرة وينثرها على الرصيف فيما هو سائر باتجاه برودواي". كانت تلك نهاية أبراهام جيرمانسكي على حد علمنا. إنهما قصتان مختلفتان، ولنعد إلى ليفرمور.
أصبح جيسي ليفرمور أحد أغنى الرجال في العالم بفضل انهيار أكتوبر 1929. لقد دمّر الانهيار أبراهام جيرمانسكي، وربما أودى بحياته. لكن قصة ليفرمور لم تنته عند هذا الحد، فبعد أربع سنوات تتقاطع قصتا الرجلين مجددًا. بعد ازدهاره الهائل في عام 1929 راهن ليفرمور الواثق من نفسه أكثر وأكثر، ويبدو أنه مضى بعيدًا في زيادة الديون، وفي النهاية فقد كل شيء في سوق الأسهم.
أفلس ليفرمور، ويبدو أن العار قد سيطر على تفكيره، فاختفى مدة يومين في عام 1933. بدأت زوجته بالبحث عنه، وكتبت صحيفة نيويورك تايمز في عام 1933: "جيمس إل ليفرمور مضارب في سوق الأسهم المالية، ويعيش في جادة 1100 بارك مفقود، ولم يُرَ منذ أمس الساعة الثالثة مساءً".
عاد ليفرمور، لكن مصيره لم يكن جيدًا. انتحر ليفرمور في النهاية. اختلف التوقيت لكن جيرمانسكي وليفرمور اشتركا في سمة شخصية واضحة: كان كلاهما جيدين جدًا في الثراء، وكلاهما سيئين في البقاء ثريين.
قد لا تصف نفسك بالثري، لكن هناك درسًا مستفادًا من هذه الملاحظة، وهو ينطبق على الجميع مهما كان مستوى دخلهم:
الحصول على المال شيء، والاحتفاظ به شيء آخر.